فصل: أخبار صاحب الزنج وابتداء فتنته.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.أخبار صاحب الزنج وابتداء فتنته.

كان أكثر دعاة العلوية الخارجين بالعراق أيام المعتصم وما بعده أكثرهم من الزيدية وكان من أثمتهم علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهير وكان نازلا بالبصرة ولما وقع البحث عليه من الخلفاء ظفروا بابن عمه علي بن محمد بن الحسين فقتل بغدك ولأيام من قتله خرج رجل بالري يدعى أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى المطلوب وذلك سنة خمس وخمسين ومائتين أيام المهتدي ولما ملك البصرة لقي عليا هذا حيا معروف النسب فرجع عن ذلك وانتسب إلى يحيى قتيل الجوزجان أخي عيسى المذكور ونسبه المسعودي إلى طاهر بن الحسين وأظنه الحسين ابن طاهر بن يحيى المحدث بن الحسين بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي لأن ابن حزم قال في الحسين السبط أنه لا عقب له إلا من علي بن الحسين وقال فيه علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر وقال الطبري وابن حزم وغيرهم من المحققين أنه من عبد القيس واسمه علي بن عبد الرحيم من قرية من قرى الري ورأى كثرة خروج الزيدية فحدثته نفسه بالتوثب فانتحل هذا النسب ويشهد لذلك أنه كان على رأي الأزارقة من الخوارج ولا يكون ذلك من أهل البيت وسياقة خبره أنه كان اتصل بجماعة من حاشية المنتصر ومدحهم ثم شخص من سامرا إلى البحرين سنة تسع وأربعين أدعى أنه من ولد العباس بن أبي طالب من ولد الحسن بن عبد الله بن العباس ودعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير من أهل حجر وغيرها وقاتلوا أصحاب السلطان بسببه وعظمت فتنته فتحول عنهم إلى الأحساء ونزل على بني الشماس من سعد بن تميم وصحبه جماعة من البحرين منهم يحيى بن محمد الأزرق وسليمان بن جامع فكانا قائدين له وقاتل أهل البحرين فانهزم وافترقت العرب عنه واتبعه علي بن أبان وسار إلى البصرة ونزل في بني ضبيعة وعاملها يومئذ محمد بن رجاء والفتنة فيها بين البلالية والسعدية وطلبه ابن رجاء فهرب وحبس ابنه وزوجته وجماعة من أصحابه فسار إلى بغداد وأقام بها حولا وانتسب إلى محمد بن أبي أحمد بن عيسى كما قلناه واستمال بها جماعة منهم جعفر ابن محمد الصوحاني من ولد زيد بن ضوحان ومسروق ورفيق غلامان ليحيى بن عبد الرحمن وسمى مسروقا حمزة وكناه أبا أحمد وسمى رفيقا جعفرا وكناه أبا الفضل ثم وثب رؤساء البلالية والسعدية بالبصرة وأخرجوا العامل محمد بن رجاء فبلغه ذلك وهو ببغداد وأن أهله خلعوه فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين ويحيى بن محمد وسليمان بن جامع ومسروق ورفيق فنزل بقصر القرش ودعا الغلمان من الزنوج ووعدهم بالعتق فاجتمع له منهم خلق وخطبهم ووعدهم بالملك ورغبهم في الإحسان وحلف لهم وكتب لهم في خرقة إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم الآية واتخذها راية وجاءه موالي الزنج في عبيدهم فأمر كل عبد أن يضرب مولاه وحبسهم ثم أطلقهم ولم يزل هذا رأيه والزنوج في متابعته والدخول في أمره وهو يخطبهم في كل وقت ويرغبهم ثم عبر دجيلا إلى نهر ميمون فأخرج عند الحميري وملكه وسار إلى الأيلة وبها ابن أبي عون فخرج إليه في أربعة آلاف فهزمهم ونال منهم ثم سار إلى القادسية فنهبها وكثر سلاحهم وخرج جماعة من أهل البصرة لقتاله فبعث إليهم يحيى بن محمد في خمسمائة رجل فهزمهم وأخذ سلاحهم ثم أخرى كذلك وأخرى وخرج قائدان من البصرة فهزمهما وقتل منهما وكانت معهما سفن ألقتها الريح إلى الشط فغنموا ما فيها وقتلوا وكثر عيثه وفساده وجاء أبو هلال من قواد الأتراك في أربعة آلاف مقاتل فلقيه على نهر الريان فهزمه الزنج واستلحموا أكثر أصحابه ثم خرج أبو منصور أحد موالي الهاشمين في عسكر عظيم من المطوعة والبلالية والسعدية فسرح للقائهم علي بن أبان فلقي طائفة منهم فهزمهم ثم أرسل طائفة أخرى إلى مرفأ السفن وفيه نحو من ألفي سفينة فهرب عنها أهلها ونهبوها ثم جاءت عساكر أبي منصور وقعد الزنوج لهم بين النخل وعليهم علي بن أبان ومحمد بن مسلم فهزموا العسكر وقتلوا منهم وأخذوا سلاحهم ثم سار فنهب القرى حتى امتلأت أيديهم بالنهب ثم سار يريد البصرة ولقيته عساكرها فهزمهم الزنج وأثخنوا فيهم ثم سار من الغد نحو البصرة وخرج إليه أهلها واحتشدوا وزحفوا إليه برا وبحرا فلقيهم بالسد وانهزموا هزيمة شنعاء كثر فيها القتل ووهن أهل البصرة وكتبوا إلى الخليفة فبعث إليهم جعلان التركي مددا وولى على الأبلة أبا الأحوص الباهلي وأمه بجند من الأتراك وقد بث صاحب الزنج أصحابه يمينا وشمالا للغارة والنهب ولما وصل جعلان إلى البصرة ونزل على فرسخ منهم وخندق عليه وأقام ستة أشهر يسرح لحربهم الزيني مع بني هاشم ومرجف ثم بيته الزنج فقتلوا جماعة من أصحابه وتحول عن مكانه ثم انصرف عن حربهم وظفر صاحب الزنج بعده من المراكب غنم فيها أمولا عظيمة وقتل أهلها وألح بالغارات على الأبلة إلى أن دخلها عنوة آخر رجب سنة ست وخمسين وقتل عاملها أبا الأخوص عبيد الله ابن حميد الطوسي وخلقا من أهلها واستباحها وأحرقها وبلغ ذلك أهل عبادان فأستأمنوا له وملكها واستولى على ما فيها من الأموال والعبيد والسلاح إلى الأهواز وبها إبراهيم بن المدبر على الخراج فهرب أهلها ودخلها الزنج ونهبوا وأسروا ابن المدبر فخاف أهل البصرة وافترق كثير منهم من البلدان وبعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع وخمسين فهزمهم وأخذ ما معهم واثخن فيهم وكان ابن المدبر أسيرا عندهم في بيت يحيى بن محمد البحراني وقد ضمن لهم مالا كثيرا ووكل به رجلين فداخلهم حتى حفر سربا من البيت وخرج منه ولحق بأهله.